أظهرت أحدث دراسة اقتصادية رسمية أن الموازنة العامة
للدولة واجهت صعوبات وتحديات نتيجة استمرار ارتفاع دعم المشتقات النفطية
وأن فاتورة دعم المشتقات النفطية خلال الأربعة عشر عاما الماضية
(2000-2013م ) بلغت حوالي 24 مليار دولار.
وكشفت الدراسة التي أعدها خبير السياسات التنموية بوزارة التخطيط والتعاون الدولي عبد المجيد البطلي، أن ما يقدر بـ 35 بالمائة من الدعم الحكومي للمشتقات النفطية استفادت منه 20بالمائة من الاسر اليمنية التي تتمتع بمستويات معيشية مرتفعة في حين ذهب ما يقدر 10بالمائة فقط من الدعم نحو الاسر الافقر في المجتمع .. مؤكدة أن معظم الدعم الحكومي للمشتقات النفطية يذهب إلى الفئات غير الفقيرة وهو ما يفرض بالضرورة التحول الى سياسة الدعم الموجه الذي يستهدف الفئات الفقيرة والمستحقة .
واوضحت الدراسة التي حصلت وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) على نسخة منها أن الإنفاق على الدعم للمشتقات النفطية بلغ حوالي 21بالمائة من النفقات العامة خلال الفترة (2000م- 2013م)، ونظرا لاتجاهاته التصاعدية فقد استحوذ على حوالي ثلث الإنفاق العام في السنوات الأخيرة .
وبينت الدراسة أن دعم المشتقات النفطية يستحوذ على حوالي نصف الإيرادات النفطية (النفط والغاز).
وقالت :" ونظرا لتراجع حصة الحكومة من إنتاج النفط الخام في مقابل زيادة الاستهلاك المحلي للمشتقات النفطية، فان فاتورة الدعم مرشحة لأن تستحوذ على جل الإيرادات النفطية في السنوات القادمة في حال لم تسارع الحكومة بتنفيذ اصلاحات طارئة على الاسعار ألأمر الذي يستوجب أن سياسات الدعم غير قابلة للاستدامة".
واشارت الدراسة الى أن الحكومة لجأت الى تكريس معظم نصيبها من عائدات صادرات النفط الخام لتغطية فاتورة واردات المشتقات النفطية من الخارج والتي تراوحت بين 2-3 مليار دولار سنويا. . مؤكدة أن واردات الديزل استحوذت على النسبة العظمى من دعم الوقود حيث تستورد اليمن حوالي 65 بالمائة لتغطية احتياجات الاستهلاك المحلي من الديزل من الخارج.
واعتبرت الدراسة أن انخفاض الأسعار المحلية للوقود يحفز على زيادة الاستهلاك المحلي، كما ينجم عن انخفاض الأسعار المحلية مقارنة بالأسعار الدولية تهريب المشتقات إلى الخارج وارتفاع الأعباء المالية وتصاعد الاختناقات في العرض المحلي، لافتة الى أن تصاعد ظاهرة الاكتظاظ الشعبي على محطات الوقود التي برزت في عام 2008 وتجددت في العام 2010م قبيل أن تزداد حدة هذه الظاهرة في العام 2011 م ومؤخرا في العام 2014م يرجع بدرجة أساسية إلى الصعوبات التي تواجهها الموازنة العامة في تغطية تكاليف فاتورة الدعم ومن ثم توفير المشتقات بالقدر الكافي لحاجة السوق.
وأوضحت الدراسة أن تحرير أسعار المشتقات النفطية، سيسهم في اختفاء ظاهرة الاختناقات الحادة الناجمة عن التهافت على طلب الوقود حيث ستخضع المشتقات النفطية لقوى العرض والطلب في السوق مثل باقي السلع الأساسية وسيصاحب ذلك البدء بفك احتكار الحكومة لهذه السلعة وتشجيع القطاع الخاص على استيراد وتخزين وتوزيع المشتقات، وكذلك وضع الضوابط والآليات المناسبة لتعديل أسعارها المحلية بصورة دورية بحيث تستجيب لتغيرات أسعارها في السوق الدولية.
وأفادت أن رفع الدعم عن المشتقات النفطية سيوحد الأسعار المحلية للمشتقات ويرفعها إلى مستوياتها في الأسواق الدولية وبذلك ستنتفي أي دوافع نحو التهريب وسيتم التخلص من مشكلة التهريب الخارجي والداخلي للمشتقات التي تضر بالموازنة العامة بصورة تامة، منبهة أن الدعم يقود إلى تركز الثروة لصالح فئة المهربين، كما يحفز على الاستخدام غير الرشيد للموارد .
وأبرزت الدراسة أن الدعم الحكومي للمشتقات النفطية يعد سببا رئيسيا لضعف الاستدامة المالية وتفاقم عجز الموازنة الذي يشعل التضخم ويؤثر بصورة عكسية على مستويات المعيشة للمواطنين، كما أن التكلفة المالية للدعم تزاحم أولويات الإنفاق الاستثماري العام للتعليم والصحة والبنية التحتية.
وكشفت الدراسة أن إجمالي إيرادات الثروة النفطية خلال الفترة (2000- 2010 م ) بلغ (41.1 ) مليار دولار انفق منها 40بالمائة على دعم الوقود بزيادة تجاوزت حجم الانفاق على قطاعي " كالتعليم والصحة "معاً، مبينة أن اليمن يعد منتج صغير للنفط الخام ؛ ومع ذلك فأنه يعتمد بشكل كبير على العائدات النفطية حيث يمثل قطاع النفط حوالي ثلث الناتج المحلي الإجمالي وتمثل الصادرات النفطية أكثر من 80 بالمائة من إجمالي الصادرات السلعية .. إضافة إلى أن الإيرادات النفطية تمثل حوالي 60بالمائة من إجمالي الإيرادات في الموازنة العامة للدولة، وهذا يعني أن حوالي نصف النفقات العامة تعتمد على إيرادات الدولة من النفط .
واعتبرت الدراسة أن التراجع المستمر في إنتاج النفط الخام من 160 مليون برميل في عام 2000 إلى 100 مليون برميل في عام 2010م و 62.2 مليون برميل في عام 2012 و 65.3 مليون برميل عام 2013م يمثل تحديا ملحا يواجه اليمن كونه يعتمد على عائدات النفط كمورد رئيسي للموازنة العامة للدولة، مشيرة الى أن حصة الحكومة من كميات إنتاج النفط الخام انحفضت من( 100.2) مليون برميل عام 2000 إلى (60 )مليون برميل عام 2010 و ( 41.6) مليون برميل عام 2012م .
وأكدت ارتفاع الاستهلاك المحلي من المشقات النفطية بصورة كبيرة خلال السنوات الماضية من (3ـ6 )مليون طن متري عام 2000 إلى (5.9) مليون طن متري عام 2010 و(5.3 ) مليون طن متري عام 2012م وتزايد واردات المشتقات النفطية وخاصة واردات الديزل التي ارتفعت من 509 ألف طن متري عام 2000 إلى 1.5 مليون طن متري عام 2012 .
وشددت الدراسة على ضرورة قيام الحكومة بالتعجيل برفع الدعم عن المشتقات النفطية وتخصيص مبالغ الدعم لصالح برامج ومشاريع استراتيجية وتنموية تصب في خدمة المواطنين مع تركيز الإنفاق على أولويات التنمية الريفية والتخفيف من الفقر كما يلي:
1. إعادة تخصيص بعض الوفر لصالح برامج الاستثمار العام ذات الأولوية للمناطق الريفية في التعليم ؛ الصحة ؛ المياه ؛ والطرقات.
2. تحسين أداء قطاع الكهرباء من خلال بناء محطات غازية جديدة خاصة وان الكهرباء تستهلك ما يقارب ربع الاستهلاك المحلي من المشتقات النفطية.
3. توسيع الرعاية الاجتماعية لحماية الأسر الأشد فقراً بما في ذلك توسيع تغطية عدد المستهدفين من تحويلات صندوق الرعاية الاجتماعية وزيادة مبلغ الإعانة، مع ضرورة البدء باستبعاد الحالات غير المستحقة لمساعدات صندوق الرعاية الاجتماعية.
4. توسيع شبكة الحماية الاجتماعية بحيث تضم صندوق لإعانة البطالة بين الخريجين المعروض على مجلس الوزراء. وكذلك تنفيذ نظام التأمين الصحي.
5. تبني آلية تسعير أوتوماتيكية بقواعد محددة إلى أن يتم تحرير وتنظيم عملية إنتاج وتصدير وتوزيع المشتقات النفطية.
6. تحفيز الاستثمار الخاص ومشاركته في إنشاء مصافي جديدة. إضافة إلى تحديث توسعة مصفاة عدن.
7. بناء خزانات (مخزون استراتيجي) للمشتقات النفطية لتغطية احتياجات السوق المحلية إثناء الأزمات لفترات مناسبة.